قال المحلل السياسي إسماعيل جمعة الريماوي في حديثه لموقع "بكرا" إن طريقة تعامل تل أبيب مع ملف الجثة الإسرائيلية المعروفة باسم ران جليفي تكشف أن القضية تُدار كأداة سياسية قبل أن تكون مسألة إنسانية أو مطلبًا عسكريًا. وفق الريماوي، تحول الملف إلى ورقة جاهزة تستخدمها إسرائيل كلما احتاجت إلى تعطيل مسار التفاهمات مع الوسطاء ومنع الانتقال إلى المرحلة الثانية من الترتيبات المرتبطة بخطة ترامب.
مسمار جحا
يرى الريماوي أن إسرائيل وجدت في هذا الملف ذريعة دائمة. فالجثة، كما يصف، أصبحت أقرب إلى "مسمار جحا" تُستعاد عند كل محطة تحتاج فيها تل أبيب إلى تبرير التأجيل أو الانسحاب من التزاماتها. ويضيف أن هذا الاستخدام المتكرر يتيح لصنّاع القرار في إسرائيل مساحة كافية للتهرب من أي خطوة مطلوبة، سواء كانت مرتبطة بالتهدئة أو بالانسحاب أو بفتح مسارات الإغاثة وإعادة الإعمار.
ويشير الريماوي إلى أن هذه الذريعة تُستخدم تحديدًا عندما تقترب المفاوضات من نقاط حساسة. فعند تلك اللحظة، تعيد إسرائيل العربة إلى الخلف وتوقف أي مبادرة قد تمنح الفلسطينيين مكسبًا سياسيًا أو ميدانيًا. ويعتبر أن هذا السلوك بات جزءًا من إدارة متعمدة لوتيرة التفاوض، تُبقي المبادرات معلّقة عند حدود لا تهدد مصلحة تل أبيب.
ويضيف أن أهداف إسرائيل بعد الحرب تبدّلت. فغزة لم تعد بالنسبة لها ساحة لإدارة الانقسام فحسب، بل باتت منطقة تريد الإمساك بخيوطها كاملة. لذلك تبحث عن أوراق ضغط تمنع أي مسار قد يفرض عليها انسحابًا أو القبول بترتيبات جديدة. وفي هذا السياق، تحولت جثة جليفي إلى ورقة مركزية تُستخدم لكبح الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وهي مرحلة تشمل التزامات واضحة من بينها وقف العمليات، بدء إعمار القطاع، تسهيل الإجراءات المدنية، والفصل بين القوات. وهي التزامات، كما يوضح الريماوي، لا تنسجم مع رغبة إسرائيل في إحكام سيطرتها على القطاع لفترة طويلة.
ليس الجثة
ويرى الريماوي أن تمسك إسرائيل بهذه الذريعة يكشف أن المواجهة ليست مع ملف جثة، بل مع مسار سياسي تخشى تل أبيب أن يقود إلى مشهد مختلف في غزة، مشهد يجبرها على التخلي عن أدوات القوة التي حافظت عليها طوال السنوات الماضية. ويقول إن هذا الملف ليس إلا واجهة لمشروع أوسع يهدف إلى إبقاء الاتفاق معلقًا على شرط غير قابل للتحقق، أو على الأقل غير قابل للتحقق الفوري.
ويضيف أن السلوك الإسرائيلي يعكس أزمة داخلية غير معلنة؛ فمن جهة يريد صانع القرار الظهور بمظهر الحازم الحريص على استعادة الجنود والجثامين، ومن جهة أخرى يتجنب الدخول في مرحلة ثانية تتطلب تنازلات سياسية وأمنية لا يرغب بها.
ويختتم الريماوي بأن المسألة تتجاوز جثة معلّقة بين طرفين. إنها سياسة كاملة تُوظّف الموت لخدمة أهداف السلطة. وبحسبه، تستخدم إسرائيل هذا الملف لإبقاء غزة تحت سيطرتها وتعليق أي تقدم سياسي يمكن أن يغيّر ميزان القوى أو يفتح أفقًا جديدًا للمفاوضات.
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق