مع اقتراب موسم الزيتون في الضفة الغربية هذا العام، يعود ملف الأرض إلى صدارة المشهد الفلسطيني، في ظل حرمان آلاف المزارعين من دخول أراضيهم الزراعية، وتصاعد اعتداءات المستوطنين، وتواصل سياسات المصادرة والهدم. القضية لم تعد موسمية، بل تحولت إلى مشهد مستمر يعكس تقاطع الاستيطان والعنف والسياسات الرسمية في إطار واحد.

نداءات من الميدان

الناشط الاجتماعي بشار القريوتي، من قرية قريوت جنوب نابلس، أطلق نداءً للمؤسسات الحقوقية والإنسانية، وفي مقدمتها الصليب الأحمر، مؤكداً أن أهالي قريوت وجالود محرومون منذ عامين من دخول آلاف الدونمات المزروعة بالزيتون. وقال القريوتي إن المستوطنين استولوا على هذه الأراضي منذ بداية الحرب، ولم يعد أمام الأهالي سوى مناشدة الجهات الدولية لإيجاد آلية ميدانية وقانونية تضمن وصول أصحاب الأراضي بشكل آمن وتثبيت حقوقهم. وحذر من أن أي دخول جماعي دون ترتيبات قانونية قد يعرّض السكان لهجمات انتقامية من المستوطنين.
القريوتي شدد على أن "كل بلدة لها قصة معاناة"، وأن الوضع الحالي يتطلب معالجة مسؤولة بعيدة عن التحركات العفوية، معتبراً أن المرحلة تستدعي حماية الأرض بالوسائل القانونية والدولية، لا سيما أن مناطق واسعة تُعتبر حساسة وقد تستغلها مجموعات المستوطنين لتوسيع سيطرتها.

عنف متصاعد بالأرقام

المعطيات الميدانية تؤكد أن هذا الواقع ليس حدثاً معزولاً. ففي أغسطس/آب 2025 وحده وُثّقت 431 اعتداء من مستوطنين، شملت اقتحام قرى، إطلاق نار مباشر على مدنيين، اعتداءات على الحقول والطرقات، وحرق أو سرقة ممتلكات. في عقربا ودوما قُتل فلسطينيان برصاص المستوطنين، فيما تكررت "دوريات العقاب" على أطراف القرى.

الأرض لم تسلم بدورها، إذ جرى اقتلاع أو إتلاف 11,700 شجرة، بينها أكثر من 11,500 شجرة زيتون. النسبة الأكبر كانت في محافظة رام الله حيث أُتلف أكثر من 10 آلاف شجرة، تلتها نابلس، جنين، سلفيت وبيت لحم. هذه الخسائر تتجاوز البعد الاقتصادي إلى مساس مباشر بعلاقة الفلسطينيين التاريخية والثقافية مع الزيتون، الذي يمثل رمزاً للهوية والصمود.

مصادرات وهدم ومخططات استيطانية

إلى جانب الاعتداءات، تستمر سياسة المصادرات والهدم بوتيرة متصاعدة. ففي أغسطس فقط، درست سلطات التخطيط 31 مخططاً استيطانياً جديداً، تمت المصادقة خلالها على 4,492 وحدة سكنية، إضافة إلى إيداع خطط لـ2,328 وحدة أخرى. كما جرى دفع مخطط E1 لربط مستوطنة معاليه أدوميم بالقدس، ما يهدد بتفكيك التواصل الجغرافي الفلسطيني.

في السياق ذاته، سُجلت 57 عملية هدم خلال شهر واحد، أدت إلى تدمير 125 مبنى، بينها 39 منزلاً مأهولاً. وتركزت العمليات في طوباس والقدس والخليل، فيما سُلّمت 21 إخطاراً جديداً بالهدم في عدة محافظات. إلى ذلك، صودرت 45 دونماً عبر أوامر عسكرية، شملت أراضي في دير بلوط ودير إستيا وطمون.

دلالات أوسع

التقاطع بين عنف المستوطنين، الإجراءات العسكرية، والمخططات الاستيطانية، يعكس سياسة ممنهجة تهدف إلى تقليص الحيز الفلسطيني تدريجياً ودفع المجتمعات إلى مغادرة أراضيها قسراً. الخطاب السياسي الرسمي في إسرائيل، الذي يدعو إلى ضم الضفة وفرض السيادة الكاملة، يمدّ هذه السياسات بالشرعية، ما يعزز شعور الفلسطينيين بأن استهداف أراضيهم جزء من مشروع أوسع.

موسم الزيتون، الذي يمثل عادة مناسبة اجتماعية واقتصادية جامعة، يتحول عاماً بعد عام إلى موسم خوف وحرمان. وبينما يواصل المزارعون الفلسطينيون نداءاتهم للمؤسسات الدولية من أجل حماية أراضيهم، تكشف المعطيات أن المعركة لم تعد على شجرة أو حقل فحسب، بل على الحق في البقاء والارتباط بالأرض نفسها.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com