بقلم: د . حسين الديك

لقد شكل الاعتراف الدولي بفلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة صدمة وقلق اسرائيلي كبير سواء على مستوى الحكومة او المعارضة، اذ كانت تعول النخب السياسية في اسرائيل بتراجع بعض الدول الحليفة لها تقليديا مثل بريطانيا وكندا واستراليا عن نية الاعتراف بدولة فلسطين ، ولكن تلك الدول اصرت على مواقفها رغم كل الضغوطات التي تعرضت لها حكوماتها ومضت قدما نحو الاعتراف بالحق الفلسطيني بالدولة على حدود الرابع من حزيران عام 1967م.

ان اعتراف كل من المملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا وكندا والبرتغال وبلجيكا ومالطا ولوكسمبورغ وأندورا وموناكو يشكل تحولا نوعيا في الاعتراف الدولي بفلسطين اذ تمتل تلك الدول ثقلا سياسيا واقتصاديا على الساحة الدولية، من أبرزها: روسيا والصين وتركيا والهند وجنوب إفريقيا وفنزويلا والبرازيل والسويد وبولندا والمكسيك والفاتيكان والنرويج وإيرلندا وإسبانيا وسلوفينيا والبرتغال والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا وأستراليا وتشكل تلك الاعترافات خطوة عملية ملموسة لا رجعة فيها وليست رمزية، فالاعتراف هو بالشعب الفلسطيني ككل وبارضه وسلطته وبحدوده وبحقوقه وبحكومته، وستعمل تلك الاعترافات على تطوير مؤسسات دولة فلسطين وبنيتها التحتية إلى مستوى هذه الدول التي لها باع كبير في المؤسسات والبنى التحتية، وهذا سيساهم في تعزيز مكانة دولة فلسطين وشخصيتها على المستوى الدولي.

ان الرد الاسرائيلي على هذا الاعتراف قد يتمثل في سلسلة من القرارات والعقوبات القاسية ستتوالى ضد الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية بالمزيد من الإجراءات تأتي كرد انتقامي على "المطرقة الدبلوماسية" التي تعرضت لها حكومة "نتنياهو - سموتريتش - بن غفير" في المحافل الدولية، ومنذ فترة تدرس حكومة اسرائيل بجدية اتخاذ حزمة من الإجراءات التصعيدية، على رأسها ضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية، بما يشمل منطقة الاغوار وذلك بضوء اخضر من ادارة الرئيس ترمب.

وقد تذهب الى اجراءات اخرى مثل منع الحركة والتنقل فرض حصار فعلي على السلطة الفلسطينية و إمكانية فرض إغلاق شامل على الأراضي الفلسطينية ومنع التنقل بين المحافظات إلا بتصاريح خاصة والغاء
التصنيف الاداري في الضفة الغربية للمناطق (أ) و(ب)، وهو ما يعني نسف أسس اتفاقيات أوسلو بالكامل وإعادة احتلال الضفة الغربية أمنيًا وإداريًا.
أن هذه الإجراءات تعبر عن العقلية العسكرية الجديدة تبني عقيدة إسرائيلية تقوم على التأهب الدائم للحرب، بما يعكس تحضير إسرائيل لمواجهة محتملة واسعة وسط استمرار الحرب في قطاع غزة، والاحتقان المتصاعد في المنطقة، وهو ما يعبر بشكل واضح عن عقلية نظام اسبارطة الذي تحدث عن بنيامين نتنياهو في خطابه مشبها دولة اسرائيل باسبارطة اليونانية التي كانت عبارة عن مدينة محصنة، ومجتمع صغير معزول قائم على مفهوم التفوق العرقي والقوة العسكرية فقط. دويلة قامت على الغزو والتوسع والاعتداء على محيطها مدينة خرجت من عباءة السيوف والرماح، حيث كان الطفل يولد ويُربى ويعيش فقط ليكون محارباً، حتى صار المجتمع بكامله رهينة لفكرة الحرب الأبدية.

كانت اسبارطة تشكل نموذج متوحش في التاريخ يحاول نتنياهو بعثها مجدداً في إسرائيل ونتنياهو يتبنى نموذج "سوبر اسبارطة " بما يخدمه على صعيد تعزيز شعبيته داخليًا وتأجيل الانتخابات إذا لزم الأمر خصوصًا مع الدعم الكامل من إدارة ترمب، و هذا النموذج يعكس عقلية عسكرية جديدة تتبناها الحكومة الإسرائيلية منذ الهجمات الأخيرة على مدينة غزة، حيث أعلن نتنياهو أن العام المقبل قد يشهد إبادة محور إيران وتنفيذ عمليات عدوانية ضد إيران وحلفائها في المنطقة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com