يكشف بحث جديد أجراه مركز "أكورد" في الجامعة العبرية بالشراكة مع مبادرة "كو-إمباكت" صورة مقلقة عن مستقبل دمج العرب في قطاع الهايتك الإسرائيلي. فبينما شهدت قطاعات أخرى نوعاً من التعافي في العلاقات بين اليهود والعرب بعد مرور أشهر على الحرب، ظل قطاع الهايتك يغرق أكثر في أزمة ثقة وانغلاق، لتتعمق الفجوة وتصبح مسألة الدمج مهددة على نحو غير مسبوق.

العمل سوية!

منذ اندلاع الحرب، انخفضت نسبة الاستعداد لدى العاملين اليهود في شركات الهايتك للعمل مع زملاء عرب من 77% إلى 67%. وبعد عشرة أشهر، وبينما أظهر سوق العمل العام تحسناً نسبياً وارتفاعاً في هذا المؤشر إلى 61%، واصل قطاع الهايتك التراجع إلى 65% فقط. الباحثة د. دانييلا شيدلوفسكي، التي قادت الدراسة، أوضحت أن السبب يعود إلى قلة التمثيل العربي في هذا القطاع بالأساس، ما يجعل فرص الاحتكاك والتعاون شبه معدومة. "في الأماكن التي يوجد فيها تواصل يومي بين يهود وعرب نرى عادة تعافياً في العلاقات، لكن في الهايتك هذا التواصل محدود جداً، وبالتالي يغيب عامل التصحيح الطبيعي"، قالت شيدلوفسكي.

في المقابل، أظهر البحث أن العاملين العرب في الهايتك أكثر رغبة بالاندماج من نظرائهم في قطاعات أخرى. فقد أعرب 85% منهم عن استعدادهم للعمل في شركات ذات أغلبية يهودية، مقابل 69% فقط بين العرب العاملين في مجالات أخرى. هذه المفارقة تعكس فجوة عميقة بين استعداد العرب للاندماج وتراجع البيئة الحاضنة لذلك داخل الشركات.

المشكلة، بحسب التقرير، لا تبدأ عند لحظة التوظيف فحسب، بل ترافق المرشح العربي في جميع مراحل الطريق. عملية البحث عن عمل تتأثر بشبكات "صديق يجلب صديق" التي تهيمن على القطاع وتستبعد من لا يملك روابط شخصية داخل الشركات. وفي المقابلات، يغيب غالباً أي وعي ثقافي ملائم للتعامل مع متقدمين من خلفية مختلفة. وحتى بعد اجتياز بوابة القبول، يفضل المديرون الابتعاد عن حوار مفتوح مع الموظفين العرب خشية الدخول في قضايا خلافية، ما يترك إحساساً بالاغتراب وعدم الانتماء.

غير مرغوب 

هذا الواقع ينعكس على تجارب شخصية مؤلمة. أحد المتقدمين العرب وصف شعوره قائلاً: "أنت تستثمر، تتعلم، تبني مشاريع، لكن حين لا تتلقى حتى رداً، تبدأ بالتفكير أنك ببساطة غير مرغوب". من الجهة الأخرى، عبّر أحد المديرين عن موقف شائع في القطاع: "أنا بحاجة لموظف يبدأ العمل فوراً، لا وقت لدي لجولة تكيّف إضافية". هذه الشهادات تكشف كيف يُختزل النقاش حول التنوع إلى ترف غير ملزم في لحظات الأزمات، فيما يصبح المرشح العربي أول من يُغلق الباب في وجهه.

عنات ليفي، مديرة قسم التوظيف في "أكورد"، حذرت من أن المجموعات المهمشة تدفع الثمن أولاً في أوقات الركود. وقالت: "المتقدمون العرب يشعرون بغياب الانتماء وبفقدان اليقين حول مستقبلهم. الصورة التي تتكرر في المقابلات معهم هي أنهم يعبرون جسراً، لكن لا أحد ينتظرهم في الجهة الأخرى".

التقرير ينتهي بتحذير استراتيجي للقطاع: حين تتجاوز الأزمة الراهنة، ستعود الحاجة إلى توسيع الصفوف وجذب الكفاءات، وإذا لم تُبْنَ الجسور مع المجتمع العربي من الآن، فإن رأس المال البشري العربي قد يهاجر إلى الخارج. عندها، لن تكون الخسارة مقتصرة على الأفراد الذين استُبعدوا، بل على الاقتصاد الإسرائيلي بأكمله، الذي يفرّط بموارد بشرية مؤهلة في واحد من أكثر القطاعات حيوية لمستقبله.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com