بين الوحدة والتعددية- نحو رؤية واقعية للتمثيل السياسي العربي، هذا هو محور النقاش في كل مرة يقترب فيها المجتمع العربي من لحظة حاسمة. حيث تعود إلى الواجهة فكرة القائمة المشتركة، وكأنها حبل النجاة الوحيد. ومع كل التقدير للنوايا المعلنة من وراء هذا الطرح، التي تتمثل غالبًا في السعي لتوحيد الصوت العربي وتعزيز الحضور البرلماني، إلا أن السؤال الحقيقي يجب أن يكون أعمق من مجرد تعداد المقاعد.

هل ينحصر الحلم فقط في رفع عدد مقاعد العرب في الكنيست؟ وهل يكفي هذا الإنجاز العددي لردم الفجوة العميقة بين المواطن العربي ومؤسساته السياسية؟

الواقع يُثبت أن مشروع القائمة المشتركة، كما طُبق في التجربة السابقة، نجح من الناحية العددية، لكنه لم يتحول إلى مشروع سياسي موحّد، بل بات في كثير من الأحيان مجرد اتفاق مصلحي بين أحزاب وشخصيات، هدفه ضمان البقاء داخل الكنيست وليس بناء رؤية استراتيجية جماعية. القاسم المشترك بين الأطراف المتحالفة فيها لم يكن برنامجًا سياسيًا متفقًا عليه، بل الخشية من الفشل الفردي في اجتياز نسبة الحسم.

بل إننا نلاحظ أن الخلافات حول ترتيب المواقع والأسماء، والتمثيل المناطقـي، وتقاسم الموارد، تطغى على النقاش السياسي الجوهري، ما حوّل ما يسمى بـ"المشتركة" إلى وثيقة ضمان لمواقع حزبية وشخصية، لا أكثر.
وعند الغوص أكثر في الفروقات الجوهرية بين مركّبات هذه الأحزاب، يتضح جليًا أن فكرة المشروع السياسي المشترك هي شبه مستحيلة. كيف يمكن لحزب يؤمن بمشروعية العمل البرلماني كوسيلة مركزية للتأثير، أن يتحالف مع طرف آخر يرى الكنيست منصة للرفض الرمزي؟ كيف يجتمع من يتبنى نهج التعاون مع المؤسسة الإسرائيلية، مع من يراها أداة قمع؟

هذه التناقضات لا يمكن حلّها في غرفة مفاوضات لتشكيل قائمة. الوحدة الشكلية لا تعني وحدة سياسية أو استراتيجية، وأحيانًا تكون ضارة أكثر من نافعة، لأنها تربك الجمهور، وتفقد السياسة معناها، وتضعف الثقة.

إن إحياء مشروع المشتركة كما طُبق سابقًا يتجاهل التحولات السياسية والاجتماعية العميقة التي يمر بها المجتمع العربي، ويتعامى عن التآكل التدريجي في شرعية الأحزاب التقليدية، وعن الحاجة الماسّة إلى التجديد السياسي والانفتاح على قوى جديدة.

نحن بحاجة إلى "تعددية مسؤولة"، وتعاون شفاف بين قوائم مختلفة، لكل منها هوية واضحة وبرنامج صادق. ما نحتاجه ليس توحيدًا مصطنعًا، بل تفاهما سياسيا على القواسم المشتركة الحقيقية: حل عادل للقضية الفلسطينية، مناهضة العنصرية، المطالبة بالمساواة، الدفاع عن الحريات، ورفض الفاشية المتصاعدة.

أما الحلم، فلا يجب أن يُختزل بمقعد إضافي هنا أو هناك، بل في إعادة بناء علاقة ثقة بين المواطن والسياسة، وفي تحويل الكنيست إلى أداة ضمن منظومة نضال مدني، اجتماعي، وقيمي أوسع، تُعيد تعريف حضور العرب في الدولة ليس فقط كمواطنين ناقصي الحقوق، بل كشركاء كاملي الشرعية والرؤية.
ما العمل اذاً؟

1. إعادة التفكير في شكل التمثيل السياسي: بدلًا من السعي إلى وحدة قسرية في "قائمة مشتركة" واحدة، يجب فتح المجال أمام قيام قائمتين أو أكثر تعبّران عن التيارات السياسية والفكرية المختلفة، بشرط أن تكون العلاقة بين هذه القوائم قائمة على التنافس الشريف والتعاون حول القضايا المشتركة من خلال وثيقة شرف لها قواعد واضحة.

2. التركيز على رفع نسبة التصويت: التجارب السابقة أثبتت أن ارتفاع نسبة التصويت في المجتمع العربي هو العامل الأهم في زيادة التمثيل، وليس فقط شكل القائمة، وهو أمر الساعة. المطلوب هو خطاب سياسي يلامس هموم الناس ويستعيد ثقتهم.

3. تجديد القيادات السياسية: هناك حاجة ملحّة إلى تجديد النخب السياسية وفتح الأبواب أمام وجوه جديدة، من الشباب والنساء، ممن يحملون مشاريع مجتمعية حقيقية وخطابًا جديدًا.

4. بناء مشروع سياسي جامع خارج الكنيست: لا يجب أن تنحصر السياسة فقط في الكنيست. علينا تطوير حركة مدنية سياسية واسعة تعمل على الأرض: في الجامعات، البلديات، النقابات، والمؤسسات، وتحمل مشروعًا نضاليًا طويل الأمد من أجل المساواة، والعدالة، والكرامة.

5. ترسيخ ثقافة الشراكة بدل ثقافة الاحتكار: التعاون بين القوى السياسية والمدنية يجب أن يُبنى على احترام الاختلاف وليس تذويبه. الشراكة الحقيقية لا تعني التشابه، بل التكامل في الأدوار، والتوافق على الثوابت الكبرى.

المجتمع العربي في إسرائيل يقف على مفترق طرق. إما أن يستمر في تكرار تجارب سياسية فارغة تُعيد إنتاج الخيبات، أو أن يتحرك بوعي ومسؤولية نحو بناء خطاب سياسي جديد، تعددي، واقعي، وشجاع، يُعبّر عن طموحات الناس ولا يخشى مواجهة التحديات.

القائمة المشتركة ليست هدفًا، بل وسيلة. والمهم دائمًا أن تكون الوسيلة في خدمة المشروع، لا أن يتحول المشروع إلى أداة لخدمة الوسيلة

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com