في ظل تسارع الأحداث في سوريا، والتصعيد العسكري والسياسي في مناطق متعددة من الجغرافيا السورية، التقى موقع "بُكرا" بالمحلل السياسي د. يسري خيزران للحديث عن أبعاد المشهد السوري، من التدخل الإسرائيلي، إلى الدور التركي، إلى ما تشهده منطقة السويداء من احتجاجات، مرورا بموقف الطائفة الدرزية في الداخل الفلسطيني.
بُكرا: كيف تنظر إلى التطورات الأخيرة في سوريا، خاصة فيما يتعلق بالتدخل الإسرائيلي هناك؟
د. يسري خيزران: في الواقع، التدخل الإسرائيلي في سوريا لم يعد جديدًا، لكنه يأخذ الآن طابعًا أكثر ارتباطًا بالسياق الداخلي السوري. إسرائيل تتحرك وفق استراتيجية واضحة تهدف إلى منع التمركز الإيراني على الأراضي السورية، لكنها أيضًا تراقب بقلق حالة الفوضى الداخلية التي تعصف بسوريا، بعد صعود أحمد الشرع و"هيئة تحرير الشام" إلى السلطة، وهي صعود يُشكل، بحد ذاته، استمرارًا للأزمة وليس حلاً لها.
وأشار إلى أن "سقوط النظام السوري السابق لم يُنهِ الأزمة، بل زادها تعقيدًا، مضيفًا ام سوريا التي بناها حافظ الأسد كدولة مركزية ذات سيادة تُدار من دمشق، انتهت، ولا نعرف إن كانت ستعود في شكلها السابق أم لا."
بُكرا: وماذا عن البُعد الكردي والوضع في الشمال الشرقي؟
هناك إشكالية كبيرة تتمثل في الملف الكردي. الأكراد يسيطرون على مساحات واسعة من الشمال الشرقي، بما في ذلك حقول النفط. تم توقيع اتفاق بين مظلوم عبدي وأحمد الشرع، لكنه لا يحمل مؤشرات للحل، لأن الرؤى متباعدة. الأكراد يطالبون بفيدرالية، وهذا المطلب حظي بإجماع كردي، وهو ما يعكس حجم الفجوة بين الطرفين.
بُكرا: ماذا عن الساحل السوري والمجازر التي وقعت هناك؟
ما حدث في الساحل مأساة. قوات الأمن العام، ومعها مجموعات رديفة ذات طابع جهادي تكفيري، ارتكبت مجازر طائفية. القتل تم على الهوية، ما يعيدنا إلى سنوات الحرب الأهلية، ويؤكد أن ما يجري ليس بناء دولة بل إعادة إنتاج للدمار باسم الدين والطائفة.
بُكرا: وماذا عن الوضع في السويداء وموقف الدروز؟
أوضح د. يسري خيزران أن "السويداء ما زالت خارج سيطرة الدولة لأن الدروز هناك يرفضون تسليم السلاح أو الانصياع لقوات هيئة تحرير الشام أو من يمثلها".
وتابع: "الأمور ازدادت تعقيدًا بعد أحداث الساحل، خصوصًا بعد تصريحات الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز شيوخ العقل في جبل الدروز، الذي أعلن صراحة رفضه لسلطة أحمد الشرع، متهمًا الحكومة بالتحريض الطائفي عبر المساجد ومن ثم بتشكيل لجنة تحقيق صورية لا يُنتظر منها أي عدالة."
وأشار إلى أن ما فعّل الأزمة مؤخرًا هو تسريب صوتي نُسب لأحد رجال الدين الدروز وتضمّن إساءة للرسول محمد، وهو ما قاد إلى هجمات على تجمعات درزية في أشرفية صحنايا وجرمانا، حيث وقعت انتهاكات موثقة.
"حتى الآن لا نعرف حجم التصفيات الميدانية التي وقعت هناك، ولكن ما نعرفه أن ما جرى يُغذّي الخوف لدى الدروز من مصيرهم في ظل حكومة تتبنى خطابًا مزدوجًا، دبلوماسيًا منفتحًا للخارج، وإقصائيًا طائفيًا في الداخل."
بُكرا: كيف ترى الخطاب الديني الذي تتبناه الحكومة الجديدة؟
خيزران: الخطاب الرسمي يتحدث عن "إسلام وسطي"، لكن الواقع يناقض هذا الادعاء. فالمجازر في الساحل والانتهاكات في صحنايا تقول شيئًا آخر. الحكومة الجديدة تمارس سياسة تهميشية صارخة، فقد تم تعيين الشيخ أسامة الرفاعي مفتياً عاماً، ورُفضت مطالبته بإصدار فتوى تُحرّم قتل العلويين.
وتابع : "الجيش الذي شُكّل مؤخرًا يتكون من جهاديين، قيادته من جنسيات غير سورية، وتم استثناء الضباط المنشقين عن النظام السابق. الحكومة الحالية تضم تمثيلًا صوريًا فقط لأربع مكونات: الأكراد، العلويين، المسيحيين، والدروز، لكن الوزارات السيادية كلها أُسندت لأشخاص من جماعة أحمد الشرع".
بُكرا: هناك تظاهرات للدروز في الداخل الفلسطيني تضامنًا مع أبناء طائفتهم في سوريا، ما دلالة ذلك؟
هذه التظاهرات تعكس عمق القلق في أوساط الدروز، ليس فقط في سوريا بل أيضًا خارجها. المشهد في صحنايا، حيث قُتل عنصر من الأمن العام بطريقة طائفية، مع ترديد شعارات استفزازية، هو مؤشر خطير. الدروز يشعرون بأنهم مستهدفون، والخطر لا يأتي منهم بل من حكومة تُرسل أجهزتها الأمنية لقتل المدنيين، وتُنصّب نفسها حامية للشعب.
وختم بالقول: "ما يجري في سوريا الآن ليس فقط صراع قوى، بل صراع على هوية الدولة والمجتمع. والدروز، كما غيرهم، لا يبحثون عن نفوذ، بل عن أمان وكرامة وهوية غير مهددة. وكل المعطيات تشير إلى أن ما يسمى بـ'المرحلة الانتقالية' هو في الحقيقة إعادة ترتيب للقمع، بصيغة أكثر تدينًا ولكن أكثر عنفًا أيضًا".
كما أشاد د.يسري خيزران بالجهود المتواصلة التي يبذلها فضيلة الشيخ موفق طريف، لتقديم الدعم والمساعدات للأهل في سوريا، بالتنسيق مع الجهات الإنسانية والروحية.
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق